سلطان الله ومسئولية الانسان
تابع :القانون الادبى وحرية الانسان
درسنا في الفصول السابقة أن الله كلي القدرة والسلطان وأن الله الخالق وضع مجموعة من القوانين لحكم الخليقة فوضع القوانين المادية لحكم العالم المادي والقوانين البيولوجية لحكم الكائنات الحية والقوانين الادبية لحكم الكائن الادبي ورأينا محتوى هذا القانون الذي هو محبة الله من كل القلب والنفس والقدرة ومحبة القريب كالنفس ورأينا أيضاً مايميز القانون الادبي فهو قانون ينفذ نفسه بنفسه أي أنه ليس في إحتياج أن ينفذه أحد, فالموت هو نتيجة وليس عقاب وسوف نستكمل معاً في هذه الفصل دراسة القانون الادبي
Ø فالحرية التي أعطيت لنا في هذا القانون هي حرية أدبية
هذه الحرية الادبية تختص بالعلاقات بين البشر وليست مادية لذلك فالانسان غير مسئول عن شكله وذكائه وجنسيته ومواهبه وإمكانياته و... وفي هذا لانستطيع أن نتهم الله بأنه غير عادل لان الله يعطي القيمة الاعلى للامور الادبية وليست المادية فسعادة الانسان الحقيقية هي ليست في العالم المادي من شكل وجنسية ووظيفة بل إن سعادته الاصيلة هي في علاقته مع خالقه ومع أخوته في الانسانية ومع نفسه البشرية فنحن لنا حرية الاختيار في الامور الادبية التي تتحكم في سعادتنا الانسانية وأبديتنا الزمنية وليس لنا حرية في الكثير من الامور المادية التي ليس لها تأثيرعلى سعادتنا, فمثلاً إذا كنا سعداء مع شريك حياتنا وفي علاقتنا مع اولادنا واصدقاءنا ولا نملك القدر الكافي من المال للمعيشة الرغدة فهذا لن يحيل سعادتنا الى جحيم وعلى العكس إذا كنا نملك المال ولكن لا نستطيع أن نعيش سعداء مع أزواجنا وزوجاتنا ومع اولادنا وأصدقائنا فلن يستطيع المال أن يشري سعادتنا, بل الله في عنايته ورعايته يوفر لكل واحد منا القدر الكافي من الاحتياج الاساسي وهذا ما يخبرنا عنه الكتاب المقدس
الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ. (مز34: 10)
أَيْضاً كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ وَلَمْ أَرَ صِدِّيقاً تُخُلِّيَ عَنْهُ وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزاً. (مز37: 25)
Ø الحرية الأدبية التي لنا هي حرية محدودة فهي نسبية وليست مطلقة
وذلك لان الانسان مخلوق وهو كائن محدود وبالتالي فالحرية المعطاة له من قبل الله هي حرية محدودة ولايمكن أن يُعطى حرية غير محدودة وذلك لان عليه مسئولية محدودة وبالتالي فسلطانه محدود, فمن الممكن أن نتصور إنسان مثل هتلر مما له من طموح أن يسود ويتحكم في العالم وقد أُعطي له سلطان غير محدود على كل إنسان لكي ينفذ ويحقق اهوائه المريضة, أيضاً إنسان شرير الدوافع وسيئ السلوك وقد أُعطي سلطة هائلة على العالم الذي نحيا فيه فبكل تأكيد سوف يدمر العالم ويحطم الانسانية ولسوف يعتدي على حرية الاخرين, لذلك أعطى الله للانسان حرية أدبية محدودة حتى لاتصير الحرية الادبية الغير محدودة هي نفسها إعتداء على حرية الاخر وتتحول العلاقات الى فوضى لا يمكن حسابها أو السيطرة عليها وبالتالي أُعطي للانسان مسئولية محدودة على حسب مقدار حريته المحدودة وهذا ما أعلنه لنا الكتاب المقدس
لاَ تَضِلُّوا! اللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً. (غلا6: 7)
Ø أساس الحرية الادبية هي المعرفة وحرية الاختيار
حتى يمكن أن يكون لنا هذه الحرية الادبية يجب اولاً أن يكون عندنا قدر من المعرفة بناء عليها يكون لنا الحرية الادبية في الاختيار, أيضاً العامل الاخر الذي يجب أن يتوافر حتى يكون لنا هذه الحرية الادبية هو أن نكون قادرين على الاختيار من بين الاختيارات المختلفة أي نكون أصحاء من الناحية العقلية فليس من المعقول أن نأتي بشخص غير عاقل وبالتالي ليس عنده القدرة على الاختيار ونطالبه بممارسة حريته الادبية فهو بالطبع لن يستطيع ذلك
لان الله هو واضع هذا القانون وهو يعرف ويدرك أهمية إستمرار بقاء إعلان هذا القانون واضح فهو يتدخل على كلا المحورين السابقين الذين يتأسس عليهما هذا القانون وهما المعرفة وحرية الاختيار, فهو لايتدخل في تغيير القانون نفسه بل هو يتدخل للحفاظ على بقاء القانون واضح ومعلن, فعندما تقل درجة إعلان الحق والحقيقة التي هي أساس المعرفة فهو يتدخل لإبقاء المعرفة عالية ومعلنة, فالكثير من التدخلات الالهية في التاريخ وفي حياتنا الشخصية هي تدخلات الهية بقصد الحفاظ على الحق والمعرفة معلنة وواضحة وهذا ما يعلنه الله لنا في الاية التالية:
لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ. إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. (رو1: 18- 20)
فهو يتكلم عن الغضب الحزن الذي يملاء قلب الله على فجور وأثم وخطية البعيدين ويذكرهم بأنه هو بنفسه يحافظ على معرفته معلنة ومدركة وواضحة للعالم كله منذ خلق العالم, فالامور الغير المنظورة التي لايستطيع الانسان أن يراها بسبب محدوديته قد أظهرها الله لنا, ليس فقط الامور الغير المنظورة بل أيضا قدرته التي هي منذ الازل والى الابد وحتى طبيعته الالهية وصفاته ظاهرة ومدركة بكل ما قد صنع وخلق الله من حولنا لذلك فالانسان لايستطيع أن يدفع بالاعذار أمام الله لكي يبرر جهله وعدم معرفته لان الله بنفسه يحافظ على معرفته معلنة أمام الجميع, يكفي فقط التطلع الى الخليقة من حولنا لكي نتأكد ونؤمن بوجود الخالق العظيم من وراء هذا الكون.
لقد كان الله يراقب ويلاحظ التاريخ فعبر سنوات العهد القديم نلاحظ أن الله كلما رأى أن نور معرفته قد خبا ووضوح رؤيته قد أضمحل يسارع بإرسال نبي من الانبياء ويعطيه القوة لصنع أيات وعجائب ويرسله برسالة واضحة يكلم بها الشعب ليس فقط لشعب اسرائيل (الذي كان هو شعب الله الذي اختاره ليعلن معرفته لكل الشعوب المحيطة) بل ايضاً الى كل الامم والشعوب في ذلك الوقت وهذا مانراه في نبؤات النبي إشعياء عن الكثير من الشعوب مثل مصر وأرام وادوم وبلاد العرب وكوش ودمشق, كل هذا من أجل أن يظهر نور المعرفة مرة أخرى فيستعيد الانسان حريته الادبية لكي يختار بين الخير والشر.
لقد كان في الخطة الالهية أن يكتب أُناس الله القديسين الكتاب المقدس وذلك لكي يحافظ الله على إعلان نفسه ثابت وواضح ومعلن ومكتوب فالكتاب المقدس هو واحدة من التدخلات الالهية ليُبقي معرفته معلنة وواضحة أمام الناس.
على مدار التاريخ في كل مرة كانت تقوم أمة أو مملكة لكي تطفئ نورإعلان الله وتحيط به لكي لا ينتشر وينير الانسانية كان يتدخل بهدم هذه الامة فيعود نور الاعلان مرة أخرى لينير كل إنسان ولكي تعود مرة أخرى حرية الاختيار لهذا الشعب فيستطيعوا أن يقرروا لانفسهم ويختاروا بين الحق والصواب وبين الكذب والضلال
سماح الله بهذا التقدم التكنولوجي الحادث الان في كل الكون فأضحى العالم قرية صغيرة من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها فما يحدث في مكان ما في منطقة نائية على أطراف الكرة الارضية يُنقل في ثواني معدودة الى الطرف الاخر من الكرة الارضية بواسطة الاقمار الصناعية وشبكة تبادل المعلومات(الانترنت) فلا يستطيع أحد الأن أن يُخفي الحقيقة أويغلق الابواب أمام الحق الالهي الذي أصبح في متناول كل إنسان إذا كان يريد أن يعرف الحقيقة
فهكذا الله يتدخل دائماً لكي يحافظ على الحق الالهي معلن فيستطيع الانسان أن يختار وأيضاً يتدخل لكي تظل حرية الانسان في الاختيار متاحة للجميع.
Ø الله يتعامل مع الإنسان كفرد داخل مجتمع يؤثر ويتأثر بالمجتمع سلبياً وايجابياً
خلق الله الانسان في البداية فرد واحداً متمثلاً في أدم ثم قال الله لنصنع معيناً نظيراً لهذا الشخص فنخلق له رفيق فصارت حواء, فعندما وضع الله قانونه الادبي لتنظيم العلاقات لم يضع هذا القانون لتنظيم العلاقة بينه هو وبين الانسان فقط بل وضعه أيضاً لتنظيم العلاقة بين الانسان وأخيه الانسان, أي أن الله وضع هذا القانون لكي ينظم علاقته بخليقته وينظم علاقة الانسان بالمجتمع الذي يعيش فيه, فعندما يتعامل الله معنا كأفراد فإنه يرانا ويتعامل معنا كأفراد في وسط مجتمع يؤثر في هذا المجتمع سلباً وإيجاباً وأيضاً كأفراد يتأثرون بما في المجتمع سلباً وإيجاباً, فكل واحد منا يؤثر في اصدقائه واولاده وشريك حياته سلباً وإيجاباً على كل المستويات سواء المادية أوالنفسية أوالاجتماعية أوالاخلاقية, فإذا تعامل الاباء مع أولادهم بطريقة صحيحة لاشباع احتياجاتهم النفسية والروحية والاجتماعية فسوف ينمون أصحاء والعكس صحيح إذا لم يحرص الاباء على تربية اولادهم تربية نفسية روحية اجتماعية سليمة فسوف ينمون وبهم العديد من المشاكل النفسية فلن يستطيعوا أن يكونوا في علاقة صحيحة مع أنفسهم أو حتى مع الغير, لكن هذا التأثير الحادث نتيجة وجودنا في مجتمع رغم أنه يؤثر فينا (سلباً وإيجاباً) له حدود فهو لايحرمنا من حريتنا الادبية, فمثلاً نحن نتأثر سلباً نتيجة وجودنا في المجتمع على المستوى الروحي والاخلاقي وذلك عن طريق القدوة السيئة فننمو وفي أذهاننا نماذج خاطئة عن أشخاص عاشوا بمبادئ أخلاقية غير صحيحة فتبعناهم وشابهناهم وأكتشفنا بعد ذلك خطأ مبادئهم وفساد قدوتهم ونستطيع نحن أيضاً أن نؤثر أيجاباً عن طريق نفس المبدأ فنعيش قدوة صالحة في القول وفي الفعل أمام الناس فيرى الناس حياتنا ومبادئنا ويعيشوا بمقتضاها فتتغير حياتهم, في هذا المبدأ ينبغي علينا أن نقبل كلا البعدين فنحن نؤثر في المجتمع ونتأثر به سلباً وإيجاباً لا نستطيع أن نقبل بُعد ونرفض الاخر لان كلاهما مرتبطان معاً ففي هذا هي العدالة, ولانستطيع أن نرفضهما لان في حالة الرفض سوف لا يكون هناك علاقات بين البشر وهذا مرفوض
بالنسبة لنا نحن اولاد الله هذا خبر مفرح لانه كما أن العالم والشيطان يؤثران بطريقة سلبية على المجتمع فالكنيسة لها كل الحق أن تؤثرعلى المجتمع بطريقة ايجابية سواء بإعلان الحق الالهي وبالقدوة الجيدة والتأثير المباشر على حياة الناس وبالاقناع العقلي المنطقي وهذه هي أهمية الكرازة بالانجيل والشهادة عن الاخبار السارة التي لنا, فعندنا وعندنا وحدنا نحن المؤمنين بالرب يسوع المسيح الاجابة المنطقية المقنعة الوحيدة لكل شخص يبحث عن الايمان الحقيقي.
واحدة من مفردات هذا القانون هو أنه عندما نطلب من الله أن يتدخل لزيادة مستوى معرفة الله وحرية اختيار الانسان فإن الله يستجيب لطلباتنا وهذا ما نسميه الصلاة التوسلية أو الشفاعية التي هي في قانونها مرتبطة ارتباط وثيق بحكم الله الادبي للخليقة, كما أن الشيطان موجود ويحاول المنتمين له أن يستخدموا القوى الشيطانية بالسحر والأعمال والعرافة في تثبيت سلطان أبليس والتأثير على اولاد الله, فأولاد الله أيضاً في سلطانهم أن يطلبوا من الله التدخل لاعلان قوته وحبه لكل بشر فيؤثروا على العالم ويستأثروا كل فكر الى طاعة المسيح, إذا لم ندرك أبعاد هذا القانون أننا نتأثر ومن حقنا أيضاً أن نؤثر فسوف ننسحب تاركين الساحة لابليس وملائكته لكي يظلموا العالم ويضعوه في الشرير ولكن ادراكنا لهذا القانون يجعلنا متنبهين الى أهمية دورنا في طلب مجد وقوة الله وإعلان معرفته لكي ينير على كل إنسان فالنور وبهائه دائماً ما يقوى على الظلمة وحلكتها. فإذا الكنيسة طلبت وتضرعت الى الله لكي يفتقدها وشعبها نرى نهضة روحية حدثت . وهذه هي مسئولية الانسان التي أعطاها الله له فالله مع أنه هو واضع القانون لايستطيع أن يكسره والقانون هو أن الانسان مسئول عن طلب مجد الله وإعلان معرفته إذا لم يتخذ الانسان موقعه ويقوم بمسئوليته فلن يقوم بها أخر, ففهمنا لقانون الله لحكم الخليقة يجعلنا نعرف أن نعيش في طرق الله وبدلاً من التذمر والتمرد على الاحداث والاشخاص نعيش شاكرين الله واثقين في عدالته وحكمته, أيضاً فهمنا لهذا المبدأ يجعلنا ندرك مدى مسئوليتنا لتغيير العالم وسلطاننا الذي لنا لاعلان النور الحقيقي
_________________
تابع :القانون الادبى وحرية الانسان
درسنا في الفصول السابقة أن الله كلي القدرة والسلطان وأن الله الخالق وضع مجموعة من القوانين لحكم الخليقة فوضع القوانين المادية لحكم العالم المادي والقوانين البيولوجية لحكم الكائنات الحية والقوانين الادبية لحكم الكائن الادبي ورأينا محتوى هذا القانون الذي هو محبة الله من كل القلب والنفس والقدرة ومحبة القريب كالنفس ورأينا أيضاً مايميز القانون الادبي فهو قانون ينفذ نفسه بنفسه أي أنه ليس في إحتياج أن ينفذه أحد, فالموت هو نتيجة وليس عقاب وسوف نستكمل معاً في هذه الفصل دراسة القانون الادبي
Ø فالحرية التي أعطيت لنا في هذا القانون هي حرية أدبية
هذه الحرية الادبية تختص بالعلاقات بين البشر وليست مادية لذلك فالانسان غير مسئول عن شكله وذكائه وجنسيته ومواهبه وإمكانياته و... وفي هذا لانستطيع أن نتهم الله بأنه غير عادل لان الله يعطي القيمة الاعلى للامور الادبية وليست المادية فسعادة الانسان الحقيقية هي ليست في العالم المادي من شكل وجنسية ووظيفة بل إن سعادته الاصيلة هي في علاقته مع خالقه ومع أخوته في الانسانية ومع نفسه البشرية فنحن لنا حرية الاختيار في الامور الادبية التي تتحكم في سعادتنا الانسانية وأبديتنا الزمنية وليس لنا حرية في الكثير من الامور المادية التي ليس لها تأثيرعلى سعادتنا, فمثلاً إذا كنا سعداء مع شريك حياتنا وفي علاقتنا مع اولادنا واصدقاءنا ولا نملك القدر الكافي من المال للمعيشة الرغدة فهذا لن يحيل سعادتنا الى جحيم وعلى العكس إذا كنا نملك المال ولكن لا نستطيع أن نعيش سعداء مع أزواجنا وزوجاتنا ومع اولادنا وأصدقائنا فلن يستطيع المال أن يشري سعادتنا, بل الله في عنايته ورعايته يوفر لكل واحد منا القدر الكافي من الاحتياج الاساسي وهذا ما يخبرنا عنه الكتاب المقدس
الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ. (مز34: 10)
أَيْضاً كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ وَلَمْ أَرَ صِدِّيقاً تُخُلِّيَ عَنْهُ وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزاً. (مز37: 25)
Ø الحرية الأدبية التي لنا هي حرية محدودة فهي نسبية وليست مطلقة
وذلك لان الانسان مخلوق وهو كائن محدود وبالتالي فالحرية المعطاة له من قبل الله هي حرية محدودة ولايمكن أن يُعطى حرية غير محدودة وذلك لان عليه مسئولية محدودة وبالتالي فسلطانه محدود, فمن الممكن أن نتصور إنسان مثل هتلر مما له من طموح أن يسود ويتحكم في العالم وقد أُعطي له سلطان غير محدود على كل إنسان لكي ينفذ ويحقق اهوائه المريضة, أيضاً إنسان شرير الدوافع وسيئ السلوك وقد أُعطي سلطة هائلة على العالم الذي نحيا فيه فبكل تأكيد سوف يدمر العالم ويحطم الانسانية ولسوف يعتدي على حرية الاخرين, لذلك أعطى الله للانسان حرية أدبية محدودة حتى لاتصير الحرية الادبية الغير محدودة هي نفسها إعتداء على حرية الاخر وتتحول العلاقات الى فوضى لا يمكن حسابها أو السيطرة عليها وبالتالي أُعطي للانسان مسئولية محدودة على حسب مقدار حريته المحدودة وهذا ما أعلنه لنا الكتاب المقدس
لاَ تَضِلُّوا! اللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً. (غلا6: 7)
Ø أساس الحرية الادبية هي المعرفة وحرية الاختيار
حتى يمكن أن يكون لنا هذه الحرية الادبية يجب اولاً أن يكون عندنا قدر من المعرفة بناء عليها يكون لنا الحرية الادبية في الاختيار, أيضاً العامل الاخر الذي يجب أن يتوافر حتى يكون لنا هذه الحرية الادبية هو أن نكون قادرين على الاختيار من بين الاختيارات المختلفة أي نكون أصحاء من الناحية العقلية فليس من المعقول أن نأتي بشخص غير عاقل وبالتالي ليس عنده القدرة على الاختيار ونطالبه بممارسة حريته الادبية فهو بالطبع لن يستطيع ذلك
لان الله هو واضع هذا القانون وهو يعرف ويدرك أهمية إستمرار بقاء إعلان هذا القانون واضح فهو يتدخل على كلا المحورين السابقين الذين يتأسس عليهما هذا القانون وهما المعرفة وحرية الاختيار, فهو لايتدخل في تغيير القانون نفسه بل هو يتدخل للحفاظ على بقاء القانون واضح ومعلن, فعندما تقل درجة إعلان الحق والحقيقة التي هي أساس المعرفة فهو يتدخل لإبقاء المعرفة عالية ومعلنة, فالكثير من التدخلات الالهية في التاريخ وفي حياتنا الشخصية هي تدخلات الهية بقصد الحفاظ على الحق والمعرفة معلنة وواضحة وهذا ما يعلنه الله لنا في الاية التالية:
لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ. إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ. (رو1: 18- 20)
فهو يتكلم عن الغضب الحزن الذي يملاء قلب الله على فجور وأثم وخطية البعيدين ويذكرهم بأنه هو بنفسه يحافظ على معرفته معلنة ومدركة وواضحة للعالم كله منذ خلق العالم, فالامور الغير المنظورة التي لايستطيع الانسان أن يراها بسبب محدوديته قد أظهرها الله لنا, ليس فقط الامور الغير المنظورة بل أيضا قدرته التي هي منذ الازل والى الابد وحتى طبيعته الالهية وصفاته ظاهرة ومدركة بكل ما قد صنع وخلق الله من حولنا لذلك فالانسان لايستطيع أن يدفع بالاعذار أمام الله لكي يبرر جهله وعدم معرفته لان الله بنفسه يحافظ على معرفته معلنة أمام الجميع, يكفي فقط التطلع الى الخليقة من حولنا لكي نتأكد ونؤمن بوجود الخالق العظيم من وراء هذا الكون.
لقد كان الله يراقب ويلاحظ التاريخ فعبر سنوات العهد القديم نلاحظ أن الله كلما رأى أن نور معرفته قد خبا ووضوح رؤيته قد أضمحل يسارع بإرسال نبي من الانبياء ويعطيه القوة لصنع أيات وعجائب ويرسله برسالة واضحة يكلم بها الشعب ليس فقط لشعب اسرائيل (الذي كان هو شعب الله الذي اختاره ليعلن معرفته لكل الشعوب المحيطة) بل ايضاً الى كل الامم والشعوب في ذلك الوقت وهذا مانراه في نبؤات النبي إشعياء عن الكثير من الشعوب مثل مصر وأرام وادوم وبلاد العرب وكوش ودمشق, كل هذا من أجل أن يظهر نور المعرفة مرة أخرى فيستعيد الانسان حريته الادبية لكي يختار بين الخير والشر.
لقد كان في الخطة الالهية أن يكتب أُناس الله القديسين الكتاب المقدس وذلك لكي يحافظ الله على إعلان نفسه ثابت وواضح ومعلن ومكتوب فالكتاب المقدس هو واحدة من التدخلات الالهية ليُبقي معرفته معلنة وواضحة أمام الناس.
على مدار التاريخ في كل مرة كانت تقوم أمة أو مملكة لكي تطفئ نورإعلان الله وتحيط به لكي لا ينتشر وينير الانسانية كان يتدخل بهدم هذه الامة فيعود نور الاعلان مرة أخرى لينير كل إنسان ولكي تعود مرة أخرى حرية الاختيار لهذا الشعب فيستطيعوا أن يقرروا لانفسهم ويختاروا بين الحق والصواب وبين الكذب والضلال
سماح الله بهذا التقدم التكنولوجي الحادث الان في كل الكون فأضحى العالم قرية صغيرة من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها فما يحدث في مكان ما في منطقة نائية على أطراف الكرة الارضية يُنقل في ثواني معدودة الى الطرف الاخر من الكرة الارضية بواسطة الاقمار الصناعية وشبكة تبادل المعلومات(الانترنت) فلا يستطيع أحد الأن أن يُخفي الحقيقة أويغلق الابواب أمام الحق الالهي الذي أصبح في متناول كل إنسان إذا كان يريد أن يعرف الحقيقة
فهكذا الله يتدخل دائماً لكي يحافظ على الحق الالهي معلن فيستطيع الانسان أن يختار وأيضاً يتدخل لكي تظل حرية الانسان في الاختيار متاحة للجميع.
Ø الله يتعامل مع الإنسان كفرد داخل مجتمع يؤثر ويتأثر بالمجتمع سلبياً وايجابياً
خلق الله الانسان في البداية فرد واحداً متمثلاً في أدم ثم قال الله لنصنع معيناً نظيراً لهذا الشخص فنخلق له رفيق فصارت حواء, فعندما وضع الله قانونه الادبي لتنظيم العلاقات لم يضع هذا القانون لتنظيم العلاقة بينه هو وبين الانسان فقط بل وضعه أيضاً لتنظيم العلاقة بين الانسان وأخيه الانسان, أي أن الله وضع هذا القانون لكي ينظم علاقته بخليقته وينظم علاقة الانسان بالمجتمع الذي يعيش فيه, فعندما يتعامل الله معنا كأفراد فإنه يرانا ويتعامل معنا كأفراد في وسط مجتمع يؤثر في هذا المجتمع سلباً وإيجاباً وأيضاً كأفراد يتأثرون بما في المجتمع سلباً وإيجاباً, فكل واحد منا يؤثر في اصدقائه واولاده وشريك حياته سلباً وإيجاباً على كل المستويات سواء المادية أوالنفسية أوالاجتماعية أوالاخلاقية, فإذا تعامل الاباء مع أولادهم بطريقة صحيحة لاشباع احتياجاتهم النفسية والروحية والاجتماعية فسوف ينمون أصحاء والعكس صحيح إذا لم يحرص الاباء على تربية اولادهم تربية نفسية روحية اجتماعية سليمة فسوف ينمون وبهم العديد من المشاكل النفسية فلن يستطيعوا أن يكونوا في علاقة صحيحة مع أنفسهم أو حتى مع الغير, لكن هذا التأثير الحادث نتيجة وجودنا في مجتمع رغم أنه يؤثر فينا (سلباً وإيجاباً) له حدود فهو لايحرمنا من حريتنا الادبية, فمثلاً نحن نتأثر سلباً نتيجة وجودنا في المجتمع على المستوى الروحي والاخلاقي وذلك عن طريق القدوة السيئة فننمو وفي أذهاننا نماذج خاطئة عن أشخاص عاشوا بمبادئ أخلاقية غير صحيحة فتبعناهم وشابهناهم وأكتشفنا بعد ذلك خطأ مبادئهم وفساد قدوتهم ونستطيع نحن أيضاً أن نؤثر أيجاباً عن طريق نفس المبدأ فنعيش قدوة صالحة في القول وفي الفعل أمام الناس فيرى الناس حياتنا ومبادئنا ويعيشوا بمقتضاها فتتغير حياتهم, في هذا المبدأ ينبغي علينا أن نقبل كلا البعدين فنحن نؤثر في المجتمع ونتأثر به سلباً وإيجاباً لا نستطيع أن نقبل بُعد ونرفض الاخر لان كلاهما مرتبطان معاً ففي هذا هي العدالة, ولانستطيع أن نرفضهما لان في حالة الرفض سوف لا يكون هناك علاقات بين البشر وهذا مرفوض
بالنسبة لنا نحن اولاد الله هذا خبر مفرح لانه كما أن العالم والشيطان يؤثران بطريقة سلبية على المجتمع فالكنيسة لها كل الحق أن تؤثرعلى المجتمع بطريقة ايجابية سواء بإعلان الحق الالهي وبالقدوة الجيدة والتأثير المباشر على حياة الناس وبالاقناع العقلي المنطقي وهذه هي أهمية الكرازة بالانجيل والشهادة عن الاخبار السارة التي لنا, فعندنا وعندنا وحدنا نحن المؤمنين بالرب يسوع المسيح الاجابة المنطقية المقنعة الوحيدة لكل شخص يبحث عن الايمان الحقيقي.
واحدة من مفردات هذا القانون هو أنه عندما نطلب من الله أن يتدخل لزيادة مستوى معرفة الله وحرية اختيار الانسان فإن الله يستجيب لطلباتنا وهذا ما نسميه الصلاة التوسلية أو الشفاعية التي هي في قانونها مرتبطة ارتباط وثيق بحكم الله الادبي للخليقة, كما أن الشيطان موجود ويحاول المنتمين له أن يستخدموا القوى الشيطانية بالسحر والأعمال والعرافة في تثبيت سلطان أبليس والتأثير على اولاد الله, فأولاد الله أيضاً في سلطانهم أن يطلبوا من الله التدخل لاعلان قوته وحبه لكل بشر فيؤثروا على العالم ويستأثروا كل فكر الى طاعة المسيح, إذا لم ندرك أبعاد هذا القانون أننا نتأثر ومن حقنا أيضاً أن نؤثر فسوف ننسحب تاركين الساحة لابليس وملائكته لكي يظلموا العالم ويضعوه في الشرير ولكن ادراكنا لهذا القانون يجعلنا متنبهين الى أهمية دورنا في طلب مجد وقوة الله وإعلان معرفته لكي ينير على كل إنسان فالنور وبهائه دائماً ما يقوى على الظلمة وحلكتها. فإذا الكنيسة طلبت وتضرعت الى الله لكي يفتقدها وشعبها نرى نهضة روحية حدثت . وهذه هي مسئولية الانسان التي أعطاها الله له فالله مع أنه هو واضع القانون لايستطيع أن يكسره والقانون هو أن الانسان مسئول عن طلب مجد الله وإعلان معرفته إذا لم يتخذ الانسان موقعه ويقوم بمسئوليته فلن يقوم بها أخر, ففهمنا لقانون الله لحكم الخليقة يجعلنا نعرف أن نعيش في طرق الله وبدلاً من التذمر والتمرد على الاحداث والاشخاص نعيش شاكرين الله واثقين في عدالته وحكمته, أيضاً فهمنا لهذا المبدأ يجعلنا ندرك مدى مسئوليتنا لتغيير العالم وسلطاننا الذي لنا لاعلان النور الحقيقي
_________________